بقلمِ: الدكتورة ميس حياصات

في ظل أزمات اقتصادية متصاعدة وارتفاع غير مسبوق في كلفة المعيشة والطاقة، أثار قرار تخفيض الضريبة على السجائر الإلكترونية تساؤلات كبيرة حول أولويات السياسات العامة في الأردن فالقرار لا يمثل مجرد تعديل مالي تقني، بل يعكس فلسفة اقتصادية تعاني خللاً واضحاً في ترتيب الأولويات، ويظهر انفصالاً بين الاهتمام بالإيرادات القصيرة المدى واحتياجات التنمية المستدامة للمجتمع والاقتصاد كما يطرح تساؤلات حول مدى شفافية صنع القرار، وطبيعة الدراسات والتحليلات التي استندت إليها الحكومة قبل اتخاذه، ومدى مراعاتها للأبعاد الصحية والاجتماعية والاقتصادية على المدى الطويل.

التناقض الأكثر وضوحاً يظهر بين هذا القرار والسياسات الصحية الوطنية المعتمدة فالدولة ترفع الوعي بمخاطر التدخين، وتتبنى استراتيجيات واضحة لمكافحة أضراره على المدى الطويل، بينما تخفيض الضريبة على منتجات التبغ الحديثة يقوّض هذه الجهود، ويخلق رسالة مجتمعية معكوسة، خصوصاً بين الشباب والمراهقين، مما يساهم في تطبيع التدخين ويضعف الجهود التربوية الرامية لحماية الأجيال القادمة من الإدمان المبكر وهذا التناقض يضع المسؤولين أمام مسؤولية أخلاقية تجاه المجتمع، ويثير تساؤلات جدية حول مصداقية السياسات الحكومية ونجاعتها.

من الجانب الاقتصادي، الكلفة الحقيقية للتدخين تفوق بكثير الإيرادات الضريبية المباشرة فانخفاض الإنتاجية بسبب الأمراض المزمنة، التغيب المتكرر عن العمل، ارتفاع كلفة الضمان الاجتماعي، والتقاعد المبكر، كلها أعباء تتحملها الدولة والمجتمع، مما يجعل القرار خاسراً على المدى الطويل ويزيد الضغط على الموارد العامة بدل تخفيفها ويمكن القول إن القرار يفضل أرباحاً ضيقة على حساب اقتصاد وطني متين وصحي.

العدالة الاجتماعية تتضرر أيضاً، إذ ينتشر التدخين أكثر بين الفئات منخفضة الدخل. بالتالي، فإن تخفيض الضريبة يشجع استهلاكاً ضاراً بينهم، بينما تتحمل الدولة لاحقاً تكاليف العلاج، مما يوسع الفجوة الاجتماعية ويعيد إنتاج الفقر في شكل مشاكل صحية مستمرة.

الشباب هم الخاسر الأكبر في هذه المعادلة، إذ تُسحب منهم فرص الاستثمار والإنتاج، ويُوجَّه دخلهم نحو إنفاق استهلاكي غير منتج، بدلاً من دعم مشاريعهم أو تخفيض كلفة الطاقة التي تعيق التشغيل وتحفز النشاط الاقتصادي.

في المقابل، ثقة المواطن تتآكل، إذ يرى أن معاناته اليومية مع الكهرباء والوقود لا تحظى بالاهتمام ذاته الذي تحظى به منتجات التبغ، مما ينعكس على الالتزام الضريبي والاستعداد للتعاون مع الدولة، والشعور بالانتماء إلى مشروع اقتصادي وطني متكامل.

ختاماً، القرار ليس مجرد تعديل ضريبي، بل مرآة أزمة أعمق في فلسفة صنع القرار فالأردن بحاجة إلى سياسة اقتصادية متكاملة تراعي صحة الإنسان، تدعم الإنتاج والطاقة، وتعزز العدالة الاجتماعية، بعيداً عن منطق الإيرادات السريعة والقرارات قصيرة النظر، لتضع الإنسان والاقتصاد الوطني أولاً قبل أي حساب مالي لحظي.